2022 Jan 22

قرية حزم… أوابد أثرية تحكي قصة حضارات تعاقبت على المنطقة منذ الألف الثالثة قبل الميلاد

الساعة 25:سهيل حاطوم

 تعد قرية حزم الواقعة على لحف منطقة اللجاة البازلتية في محافظة السويداء واحدة من البلدات القديمة جداً التي تزخر بالأوابد الأثرية التي تحكي قصة حضارات تعاقبت على المنطقة منذ الألف الثالثة قبل الميلاد, حيث كانت آهلة بالسكان لعهود طويلة وخاصة خلال العصور النبطية واليونانية والرومانية والبيزنطية والغسانية وصولاً للعهود العربية الإسلامية .

وتشتهر حزم ببيوتها القديمة المزخرفة والمبنية من الحجارة البازلتية المتينة التي مايزال الناس يقطنونها , بالإضافة إلى الأوابد الآثرية المنتشرة في مختلف أرجائها من أبواب حجرية وأقنية لجر المياه من وادي اللوا خلال فصلي الشتاء والربيع , وصولاً إلى الآبار والبرك القديمة التي استخدمها الإنسان الذي سكن المنطقة لأغراض مختلفة ولري البساتين المجاورة للوادي والتي تروي حكايات أيام الخير الوفير الذي شهدته منطقة جنوب سورية في الأحقاب الماضية .

ويشير الدكتور علي أبو عساف إلى أن قرية حزم ذكرت في المراجع القديمة من قبل المؤرخين والرحالة والباحثين القدامى العرب منهم والأجانب لاحتوائها على أضخم باب حجري من البازلت في سورية يبلغ ارتفاعه 2.6 متر ويتألف من مصراعين ويعود للحقبة الرومانية, ويعد واحداً من الأبواب الحجرية البازلتية الأضخم ليس في محافظة السويداء فقط بل على مستوى سورية, وهو موجود حالياً في أحد البيوت الأثرية في القرية ويتوضع مقابله جدار كان يزينه قنطرة رائعة الجمال ولكنها سقطت بفعل العوامل الجوية المتتالية .

وفي نهاية القرن الثاني عشر الميلادي عام 572 هجرية أي في العهد الأيوبي توقف السلطان الملك الناصر في قرية حزم , وأتى على ذكرها الباحث الأثري السويسري ج. بركهارت في كتابه (رحلات في سورية والأرض المقدسة) كما أورد الباحث الفرنسي جوزيف ماسكال في عام 1994 معلومات عن باب حزم البازلتي قائلاً " لم أشاهد أبداً باباً حجرياً بهذه الضخامة في كل المنطقة" , كما تحدث ماسكال خلال وصفه لرحلاته في جبل العرب عن وجود منزل قديم وجميل في بلدة حزم .

وتحتوي حزم على العديد من الطرق الرومانية القديمة التي قام بدراستها وتحليلها الباحث الفرنسي توما بوزو ونشر عنها دراسة تفصيلية ضمن مجلد حوران عام 1985 , حيث تحدث عن وجود طريق روماني مبلط يصل دمشق بالسويداء ثم بصرى ويمر قرب حزم محاذياً وادي اللوا ويعتبر من طرق المواصلات المهمة قديماً, كما تضم حزم نحو ستين بئراً رومانياً لحفظ المياه كانت تشكل حتى وقت قريب المصدر الوحيد لمياه الشرب.

ومن أهم آثارها بقايا معبد وثني حول إلى كنيسة ثم إلى جامع ومن ثم مزار باسم الخضر , بالإضافة إلى بقايا منازل لاتزال تحتفظ بأبوابها وأقواسها الحجرية وصهاريج لجمع المياه وآثار سدود قديمة.

كما تعد أراضي حزم جزءاً من الأراضي الصخرية الوعرة لمنطقة اللجاة وتحتوي على مختلف معالم التنوع الحيوي وفيها أشجار حراجية تمتد جذورها لآلاف السنين مثل البطم, ووجد الأهالي معالم واضحة لعمل الإنسان فيها مثل زراعة الزيتون والتين.

ويحيط بالقرية العديد من الخرب الأثرية المهجورة والمنتشرة بالقرب منها والقرى المجاورة لها وخاصة في الجهتين الغربية والجنوبية ما يدل على وجود نشاط بشري خلال العصور القديمة واستمر حتى العصور الحديثة , إضافة إلى وجود ما يسمى بجورة (الفحط) التي تشكل أحد أهم المعالم الأثرية المحيطة بالقرية وهي عبارة عن حفرة كبيرة في الأرض يمكن النزول إليها بحذر شديد وجدرانها مبنية بشكل غير مستو وعلى مقربة منها يبرز (حوش الشقيري) المبني من الحجارة الرومانية القديمة ويبعد عن حزم مسافة أربعة كيلومترات.

ولم تحمل حزم اسماً تاريخياً قديماً كبعض مدن وقرى المحافظة , ولم يعثر ضمن الكتابات القديمة على تسمية قديمة لها , لذا فإن اسمها الحالي حديث العهد كما أن الدراسات الأثرية شبه غائبة عن هذه القرية على الرغم من كثرة آثارها وتميزها وغناها بالكنوز التاريخية , ما يستعدعي مزيداً من أعمال التنقيب الأثرية فيها لإظهار أوابدها الحضارية , وإيلاء الاهتمام السياحي بها كونها تظل على منطقة تمتاز بأراضيها الصخرية الوعرة واحتوائها على مختلف معالم التنوع الحيوي .

يشار إلى أن قرية حزم تبعد نحو 32 كم شمالاً عن مدينة شهبا وتقع على بعد نحو 50 كم إلى الشمال من مدينة السويداء وعن دمشق جنوباً نحو 57 كم .